كتاب: تفسير السعدي المسمى بـ «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير السعدي المسمى بـ «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» **


‏[‏96 ـ 97‏]‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ‏}

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ‏}‏ أي‏:‏ إنهم من الضالين الغاوين أهل النار، لا بد أن يصيروا إلى ما قدره الله وقضاه، فلا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية، فلا تزيدهم الآيات إلا طغيانا، وغيا إلى غيهم‏.‏

وما ظلمهم الله، ولكن ظلموا أنفسهم بردهم للحق، لما جاءهم أول مرة، فعاقبهم الله، بأن طبع على قلوبهم وأسماعهم، وأبصارهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم، الذي وعدوا به‏.‏

فحينئذ يعلمون حق اليقين، أن ما هم عليه هو الضلال، وأن ما جاءتهم به الرسل هو الحق‏.‏ ولكن في وقت لا يجدي عليهم إيمانهم شيئًا، فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم، ولا هم يستعتبون، وأما الآيات فإنها تنفع من له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد‏.‏

‏[‏98‏]‏ ‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}

يقول تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ‏}‏ من قرى المكذبين ‏{‏آمَنَتْ‏}‏ حين رأت العذاب ‏{‏فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا‏}‏ أي‏:‏ لم يكن منهم أحد انتفع بإيمانه، حين رأى العذاب، كما قال تعالى عن فرعون ما تقدم قريبًا، لما قال‏:‏ ‏{‏آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏}‏ فقيل له ‏{‏آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ‏}

وكما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ‏}

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا‏}

والحكمة في هذا ظاهرة، فإن الإيمان الاضطراري، ليس بإيمان حقيقة، ولو صرف عنه العذاب والأمر الذي اضطره إلى الإيمان، لرجع إلى الكفران‏.‏

وقوله‏:‏ ‏{‏إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا‏}‏ بعدما رأوا العذاب، ‏{‏كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏ فهم مستثنون من العموم السابق‏.‏

ولا بد لذلك من حكمة لعالم الغيب والشهادة، لم تصل إلينا، ولم تدركها أفهامنا‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ‏}‏ ولعل الحكمة في ذلك، أن غيرهم من المهلكين، لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه‏.‏

وأما قوم يونس، فإن الله علم أن إيمانهم سيستمر، ‏[‏بل قد استمر فعلا وثبتوا عليه‏]‏ والله أعلم‏.‏

‏[‏99 ـ 100‏]‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ‏}

يقول تعالى لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا‏}‏ بأن يلهمهم الإيمان، ويوزع قلوبهم للتقوى، فقدرته صالحة لذلك، ولكنه اقتضت حكمته أن كان بعضهم مؤمنين، وبعضهم كافرين‏.‏

{‏أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏ أي‏:‏ لا تقدر على ذلك، وليس في إمكانك، ولا قدرة لغير الله ‏[‏على‏]‏ شيء من ذلك‏.‏

{‏وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ بإرادته ومشيئته، وإذنه القدري الشرعي، فمن كان من الخلق قابلاً لذلك، يزكو عنده الإيمان، وفقه وهداه‏.‏

‏{‏وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ‏}‏ أي‏:‏ الشر والضلال ‏{‏عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ‏}‏ عن الله أوامره ونواهيه، ولا يلقوا بالا لنصائحه ومواعظه‏.‏

‏[‏101 ـ 103‏]‏ ‏{‏قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السموات وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ * فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏

يدعو تعالى عباده إلى النظر لما في السماوات والأرض، والمراد بذلك‏:‏ نظر الفكر والاعتبار والتأمل، لما فيها، وما تحتوي عليه، والاستبصار، فإن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون، وعبرًا لقوم يوقنون، تدل على أن الله وحده، المعبود المحمود، ذو الجلال والإكرام، والأسماء والصفات العظام‏.‏

{‏وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏ فإنهم لا ينتفعون بالآيات لإعراضهم وعنادهم‏.‏

{‏فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ فهل ينتظر هؤلاء الذين لا يؤمنون بآيات الله، بعد وضوحها، ‏{‏إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ من الهلاك والعقاب، فإنهم صنعوا كصنيعهم وسنة الله جارية في الأولين والآخرين‏.‏

{‏قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ‏}‏ فستعلمون من تكون له العاقبة الحسنة، والنجاة في الدنيا والآخرة، وليست إلا للرسل وأتباعهم‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ من مكاره الدنيا والآخرة، وشدائدهما‏.‏

{‏كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا‏}‏ أوجبناه على أنفسنا ‏{‏نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ وهذا من دفعه عن المؤمنين، فإن الله يدافع عن الذين آمنوا فإنه ـ بحسب ما مع العبد من الإيمان ـ تحصل له النجاة من المكاره‏.‏

‏[‏104 ـ 106‏] ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}

يقول تعالى لنبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيد المرسلين، وإمام المتقين وخير الموقنين‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي‏}‏ أي‏:‏ في ريب واشتباه، فإني لست في شك منه، بل لدي العلم اليقيني أنه الحق، وأن ما تدعون من دون الله باطل، ولي على ذلك، الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏}‏ من الأنداد، والأصنام وغيرها، لأنها لا تخلق ولا ترزق، ولا تدبر شيئًا من الأمور، وإنما هي مخلوقة مسخرة، ليس فيها ما يقتضي عبادتها‏.‏

{‏وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ‏}‏ أي‏:‏ هو الله الذي خلقكم، وهو الذي يميتكم، ثم يبعثكم، ليجازيكم بأعمالكم، فهو الذي يستحق أن يعبد، ويصلى له ويخضع ويسجد‏.‏

{‏وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا‏}‏ أي‏:‏ أخلص أعمالك الظاهرة والباطنة لله، وأقم جميع شرائع الدين حنيفًا، أي‏:‏ مقبلاً على الله، معرضًا عما سواه، ‏{‏وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ لا في حالهم، ولا تكن معهم‏.‏

‏[‏106‏]‏ ‏{‏وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ‏}‏ وهذا وصف لكل مخلوق، أنه لا ينفع ولا يضر، وإنما النافع الضار، هو الله تعالى‏.‏

‏{‏فَإِنْ فَعَلْتَ‏}‏ بأن دعوت من دون الله، ما لا ينفعك ولا يضرك ‏{‏فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ الضارين أنفسهم بإهلاكها، وهذا الظلم هو الشرك كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏ فإذا كان خير الخلق، لو دعا مع الله غيره، لكان من الظالمين المشركين فكيف بغيره‏؟‏‏!‏‏!‏

‏[‏107‏]‏ ‏{‏وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ‏}

هذا من أعظم الأدلة على أن الله وحده المستحق للعبادة، فإنه النافع الضار، المعطي المانع، الذي إذا مس بضر، كفقر ومرض، ونحوها ‏{‏فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ‏}‏ لأن الخلق، لو اجتمعوا على أن ينفعوا بشيء، لم ينفعوا إلا بما كتبه الله، ولو اجتمعوا على أن يضروا أحدا، لم يقدروا على شيء من ضرره، إذا لم يرده الله، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ‏}‏ أي‏:‏ لا يقدر أحد من الخلق، أن يرد فضله وإحسانه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ، فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ‏}

{‏يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ‏}‏ أي‏:‏ يختص برحمته من شاء من خلقه، والله ذو الفضل العظيم، ‏{‏وَهُوَ الْغَفُورُ‏}‏ لجميع الزلات، الذي يوفق عبده لأسباب مغفرته، ثم إذا فعلها العبد، غفر الله ذنوبه، كبارها، وصغارها‏.‏

‏{‏الرَّحِيمِ‏}‏ الذي وسعت رحمته كل شيء، ووصل جوده إلى جميع الموجودات، بحيث لا تستغنى عن إحسانه، طرفة عين، فإذا عرف العبد بالدليل القاطع، أن الله، هو المنفرد بالنعم، وكشف النقم، وإعطاء الحسنات، وكشف السيئات والكربات، وأن أحدًا من الخلق، ليس بيده من هذا شيء إلا ما أجراه الله على يده، جزم بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل‏.‏

ولهذا ـ لما بين الدليل الواضح قال بعده‏:‏ ـ

‏[‏108 ـ 109‏]‏ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ‏}

أي‏:‏ ‏{‏قُلْ‏}‏ يا أيها الرسول، لما تبين البرهان ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ‏}‏ أي‏:‏ الخبر الصادق المؤيد بالبراهين، الذي لا شك فيه بوجه من الوجوه، وهو واصل إليكم من ربكم الذي من أعظم تربيته لكم، أن أنزل إليكم هذا القرآن الذي فيه تبيان لكل شيء، وفيه من أنواع الأحكام والمطالب الإلهية والأخلاق المرضية، ما فيه أعظم تربية لكم، وإحسان منه إليكم، فقد تبين الرشد من الغي، ولم يبق لأحد شبهة‏.‏

‏{‏فَمَنِ اهْتَدَى‏}‏ بهدى الله بأن علم الحق وتفهمه، وآثره على غيره فلِنَفْسِهِ والله تعالى غني عن عباده، وإنما ثمرة أعمالهم راجعة إليهم‏.‏

‏{‏وَمَنْ ضَلَّ‏}‏ عن الهدى بأن أعرض عن العلم بالحق، أو عن العمل به، ‏{‏فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا‏}‏ ولا يضر الله شيئًا، فلا يضر إلا نفسه‏.‏

{‏وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ‏}‏ فأحفظ أعمالكم وأحاسبكم عليها، وإنما أنا لكم نذير مبين، والله عليكم وكيل‏.‏ فانظروا لأنفسكم، ما دمتم في مدة الإمهال‏.‏

‏{‏وَاتَّبَعَ‏}‏ أيها الرسول ‏{‏مَا يُوحَى إِلَيْكَ‏}‏ علمًا، وعملاً، وحالاً، ودعوة إليه، ‏{‏وَاصْبِرْ‏}‏ على ذلك، فإن هذا أعلى أنواع الصبر، وإن عاقبته حميدة، فلا تكسل، ولا تضجر، بل دم على ذلك، واثبت، ‏{‏حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ‏}‏ بينك وبين من كذبك ‏{‏وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ‏}‏ فإن حكمه، مشتمل على العدل التام، والقسط الذي يحمد عليه‏.‏

وقد امتثل ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر ربه، وثبت على الصراط المستقيم، حتى أظهر الله دينه على سائر الأديان، ونصره على أعدائه بالسيف والسنان، بعد ما نصره ‏[‏الله‏]‏ عليهم، بالحجة والبرهان، فلله الحمد، والثناء الحسن، كما ينبغي لجلاله، وعظمته، وكماله وسعة إحسانه‏.‏

تم تفسير سورة يونس

والحمد لله رب العالمين‏.‏